“باديا” … إيمان الأحمد تُجسد التراث العربي في مجموعة أنيقة ومبتكرة

تعتمد مصممة الأزياء الأردنية إيمان الأحمد على تراثها العربي وثقافتها الغنية كمصدر إلهام، وتسعى دائماً لتعزيز هويتها من خلال تصاميم فريدة. شغفها بالتصميم والإبداع الذي يعود إلى طفولتها، جعلها واحدة من أبرز مصممات الأزياء في الأردن، فهي مزيج فريد بين الأصالة العربية والأناقة العصرية. بدأت إيمان مسيرتها في عالم التصميم عام 2006، ومنذ ذلك الحين، استطاعت أن تترك بصمتها في صناعة الأزياء من خلال ابتكار عباءات لا تعكس الهوية العربية فقط، بل أيضاً تتميز بالأناقة الكلاسيكية غير التقليدية، حيث تنسج براعة فنية متقنة مع لمسات عصرية تُضفي على العباءات جاذبية خاصة.

كواحدة من رموز الموضة العربية، قررت خزانة سول العربيّة أن تلتقي بمصممة الأزياء القديرة للتعرف عن قرب على شخصيتها ومصادر إلهامها، ولفهم عملية تصميم كل قطعة فنية تحمل توقيعها، وبالأخص كان لنا حديثاً هاماً عن مجموعتها الأخيرة “باديا”.

تتميز إيمان الأحمد برؤية استثنائية للأزياء، حيث تجمع بين الأصالة والابتكار في قطعها، وتصف مجموعتها الأخيرة “باديا” قائلة: “استلهمت مجموعة باديا من الأشكال المستخدمة في بيت الشعر لسكان البادية، مثل ملابسهم وخيامهم وكل القطع مصنوعة يدويًا بالكامل. قمت بتطبيق بعض التطريزات الأردنية والفلسطينية، مع إضافة أشكال مبتكرة من تصميمي. حرصت أيضًا على الحفاظ على روح الحضارة البدوية، واستوحيت بعض العناصر من المناطق التي تشتهر بتقنيات التطريز المشابهة للبادية. لم أضع حدودًا لاستخدام الألوان، واخترت ألوانًا جذابة، ولكن التركيز الأكبر كان على النمط المرتبط بالتطريز. فعندما تشاهد المجموعة، ستشعر بروح البادية التي تميل للألوان الزاهية والقوية. وعادة، تُستخدم الألوان القوية خلال رمضان، في حين يتم استخدام اللون الواحد المتدرج للمناسبات الرسمية مثل كتب الكتاب والأعراس”.

تولي إيمان الأحمد اهتمامًا خاصًا لكل تفصيلة، بدءًا من القصة المبتكرة وصولًا إلى اللمسات الأخيرة. في مجموعة “باديا”، حرصت إيمان على أن تكون كل قطعة لها بصمة فريدة، وتقول: “ما يميز هذه المجموعة بشكل خاص هو نمط التطريز الذي يتماشى تمامًا مع أسلوب البادية وجميع الأشكال التي تتميز بها المناطق الصحراوية”.

في اليوم العالمي للمرأة العام الماضي، اختارت الملكة رانيا العبدلله عباءة من تصميم إيمان الأحمد لارتدائها في الحدث الذي أُقيم بهذه المناسبة. هذا الاختيار لم يكن مجرد دعم لبراعة إيمان كمصممة أزياء، بل كان أيضًا اعترافًا بتميزها في تصميم هذا النوع من الأزياء التراثية الرائعة “العباءات”. عبرت إيمان الأحمد عن فخرها بهذا الاختيار قائلة: “لم يكن هذا التقدير موجهًا لي فقط، بل لجميع السيدات الحرفيات اللاتي يعملن في مجال التطريز. إنها مهنة يمارسها النساء في منازلهن لإعالة أسرهن. يوجد حوالي 400 سيدة من المجتمع المحلي تعملن في تطريز منتجاتنا في جميع أنحاء الأردن”.

وأضافت: “أردت أن أبرز التطريز الأردني بطريقة تتوافق مع العصر الحديث. فكل سيدة تملك ثوبًا تقليديًا أو اثنين، لذا أردت أن أقدم شيئًا جديدًا وأضيف لحرفة التطريز الأصيلة ألوانًا حديثة وأستخدم مواد فاخرة مثل الحرير الإيطالي. فالعمل على ثوب واحد يستغرق ما يصل إلى أربعة أشهر أو حوالي 280 ساعة”.

في تصميماتها الفاخرة، تعتمد إيمان على استخدام أفضل الأقمشة، ولكن الأمر اللافت هو اهتمامها بالتفاصيل الدقيقة والتطريزات الراقية. بالنسبة لها، يُعد التطريز هو العنصر الذي يمنح كل عباءة طابعًا فريدًا، رغم أنه يتطلب وقتًا ومجهودًا وتركيزًا إضافيًا. تؤكد إيمان الأحمد قائلة: ” العباءات مثل الذهب، فهي تورث من جيل إلى آخر. إننا نعتبرها ثروة لا يمكننا التخلي عنها، ونتركها لأبنائنا وأحفادنا. والعباءات المطرزة تعكس الدقة وجودة التقنية، ولها أهمية كبيرة بالنسبة لنا، فهي زينا الرسمي مثل الساري في الهند أو الناشل في الخليج”.

العباءة هي تعبير مثالي عن الأصالة والأناقة العربية، ومؤخراً بدأت تستعيد سحرها أمام موجة التغيير المستمرة التي تشهدها الموضة العالمية. ترى إيمان الأحمد أن العباءة استعادت أهميتها في الفترة الأخيرة من قبل مصممي الأزياء في العالم العربي، موضحة:”أصبحت إعادة ابتكار العباءات اتجاهًا عالميًا، وليس مقتصرًا على الوطن العربي فحسب. فالقفطان والملابس التراثية أصبحت تلفت الأنظار في كبرى العلامات التجارية، حيث تستوحى الكثير من تصاميمها وأزيائها من الملابس التراثية مثل القفطان المغربي وغيره”.

تُعزز تصاميم إيمان الأحمد ثقة المرأة بنفسها وتضفي عليها رونقًا خاصًا، ما جعلها محل ثقة العديد من الشخصيات العامة في الوطن العربي لتصميم عباءات مميزة وذات طابع خاص، وتشير:”أفضل تصميم قطع لسيدات لديهن وعي وتقدير للحضارة والتراث العربي. والعديد من الأميرات في الأردن ودول الخليج يضعن ثقتهن في لتصميم عباءاتهن لحضور المناسبات المهمة. كل امرأة تقدر الجهد المبذول في تطريز هذه القطع وتصميمها، أكون سعيدة بالعمل معها”. تكن إيمان تقديراً كبيراً لكل من يهتم بالتراث، حيث تقول:”أحترم المصممة عزة فهمي ليس فقط لأنها تبتكر قطعا تُحيي الأصالة والتاريخ، بل لأنها حتى في ملابسها تختار القطع المصنوعة والمطرزة يدويًا. واخترت مجوهراتها لصور مجموعتي الجديد لهذه الأسباب” وأضافت:”كما أعجبني في المغرب تقديرهم لهذا الأمر، حيث يوجد لديهم وزارة للحرف فقط، وهو ما يجب أن نفعله كلنا في الوطن العربي حتى لا يندثر تراثنا.”

إيمان الأحمد مصدر إلهام للعديد من المصممين الطموحين والمرأة العربية بشكل عام، إلا أنها تتمنى أن تحظى الحرف اليدوية المتعلقة بالملابس التراثية باهتمام أكبر، حيث تقول: “لاشك أن هناك اهتماما بهذا المجال ولكنه بحاجة للدعم والتنظيم. وفي رأيي، يجب إنشاء مدارس للحرف بالعالم العربي على غرار العلامات التجارية العالمية الكبرى، للحفاظ على تراثنا من الزوال. فمثلا لدينا نوع من التطريز يعود أصله إلى بيت لحم بفلسطين، كانت تعرفه السيدات الكبار، أغلبهن توفوا الآن، بينما عدد قليل من الحرفيين لا يزال يمتلكون هذا المهارة. إذا تم انشاء مدارس لتعليم هذا الفن، فلا خوف عليه من الاندثار، بل ستتطور هذه المدارس مع الوقت لتصل بهذه الحرفة وتقنياتها إلى كل أنحاء العالم”.

من خلال تصاميمها الفريدة والمتقنة، تستطيع إيمان الأحمد أن تحول القطع العادية إلى قطع فنية تعكس جمالية الثقافة العربية، عندما سألنها عن أكثر الأشياء التي تأثرت بها في تراث الأردن أو غيرها، أجابت:” أفضل المزج بين القماش الهندي والأردني، وأحب اللمسات الهندية بشكل عام. وفي تصميماتي، دائماً توجد عباءة فوق الثوب مشغولة بالتطريز الهندي، كما أنني أحب التصميمات المغربية، وعموماً الدمج بين الحضارات وبعضها يخلق دائماً شيئاً جديداً بعيد عن الرتابة”.

تعشق إيمان الأحمد تصاميم علامات ديور ودولتشي أند غابانا، كما تفضل المصممين مثل ريم العقرب والهندي نعيم خان. وعلى الرغم من اشتهارها بتصميم العباءات التراثية الفريدة، إلا أنها تتابع باهتمام كل مستجدات عالم الموضة. وتؤكد أن المنافسة في تصميم العباءة أو القفطان تزداد يوما بعد يوم في الأردن حيث يوجد عدد كبير من المهتمين بهذا المجال. ولكن إيمان تتمتع بلمستها الخاصة، حيث تقول واصفة تصاميمها: “ما يميز تصاميمي هو استخدام ألوان متنوعة وخامات عالية الجودة، إذ تحتوي كل قطعة على تفاصيل دقيقة من التطريز والشغل اليدوي، كما أنها تستغرق وقتا طويلا في الإنجاز. كما أن خلط الألوان بشكل متناسق هو علامة مميزة لتصميماتي، فالثوب الذي أصممه بتطريزه وخاماته، يمكن أن يصنع ثلاثة أثواب أخرى”.

إطلاق مجموعتها الأخيرة “باديا” لم يكن أمراً سهلاً، حيث تؤكد إيمان أنها استغرقت تقريبًا تسعة أشهر للانتهاء منها، مضيفة:” لا يمكن انتاج هذه التصاميم بكميات ضخمة باستخدام الماكينات لأنها تعتمد على المهارات اليدوية، مما يتطلب الكثير من الخبرة والممارسة والتفاني في عملية التحضير”.

تمكنت إيمان الأحمد من جذب عدد كبير من الشخصيات العربية المهمة اللاتي يقدرن هذا النوع من الملابس ويرغبن في ارتداء تصاميمها. وأكدت أن معظم الآراء والتقييمات تأتي بسبب تجديدها للثوب التراثي التقليدي بطرق جديدة ومبتكرة، سواء عبر استخدام الألوان أو الأقمشة. وتقول: ” العديد من السيدات يؤكدن إنهن لم يتخيلن فكرة ارتداء الثوب التقليدي إلا بعد رؤية تصاميمي، وهذا ينطبق على جميع الأعمار، مما يعني أن ملابسنا التقليدية تستعيد مكانتها في جميع أنحاء الوطن العربي”.

وبعيداً عن تصميم الأزياء، تؤكد إيمان الأحمد أنها تستمتع بأنشطة عديدة مثل تزيين المنزل واختيار الأثاث، بالإضافة إلى العزف على البيانو. وبخصوص طقوسها الخاصة قبل إطلاق أي مجموعة جديدة، تقول: “أقوم بالبحث بشكل كبير، وكثير من مراحل عملي تتم داخل المنزل، حيث أكون محاطة دائمًا بالورق والخيوط، وأتواصل باستمرار مع فريق العمل بأكمله، سواء كانوا خياطين أو مصممين أزياء أو موظفين إداريين، فأنا طوال الوقت مشغولة بالعمل”.

وأضافت : “إذا أراد المصمم أن يحقق النجاح في مجال الموضة، يجب أن يتذكر أنه لا يوجد وقت محدد لذلك، بل تصبح جزءًا من حياته. وأنا دائمًا أحب أن أكون مشغولة بعملي، حتى إذا جاءت لي فكرة في منتصف الليل، أضيفها إلى قائمة الأفكار المحتملة في الحال. وعندما يحين الوقت المناسب، أقوم بالترتيب والتخطيط لتنفيذ تلك الأفكار”.

بينما تطمح للوصول إلى العالمية وافتتاح فروع لعلامتها بأوروبا وأمريكا، فإن إيمان لديها خطط كثيرة من بينها إضافة خط أزياء جديد إلى جانب العباءات، تطلق فيه مجموعات للملابس الجاهزة بنفس الجودة والفخامة. ورغم انه من الصعب الحفاظ على الهوية وسط المنافسة الكبيرة وسرعة تغير الموضة، إلا أن أنها تؤكد:” الموديلات التي اقوم بتصميمها صعب أن تُقلد بلمح البصر لأنها تتطلب ساعات كثيرة من العمل، كما أننا نعمل على ما يقرب من ٣٥ تصميم في كل مجموعة ولكل قطعة نمط خاص لا يوجد مثيل له في الكتب التراثية”.

في ختام المقابلة، تؤكد إيمان الأحمد أن أهم ما تعلمته خلال رحلتها هو الصبر، بينما تستمر في تطوير مهاراتها لابتكار المزيد من التصميمات التي تجمع بين الأصالة والحداثة وتعكس رؤية فريدة وابتكار في عالم الموضة.

Amira Shawky
+ posts
© 2024 SOUL ARABIA. ALL RIGHTS RESERVED

Subscribe now to get notified about exclusive offers from Soul Arabia every week!