في رحلةٍ تغوص في عوالم الحب والغموض والفقد، وتستعرض آمال الحياة وأحلامها، تمكن فيلم “ثريا حبي” من اقتناص جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته السادسة والأربعين، حيث أسرت رحلة ثريا بغدادي وذكرياتها مع زوجها المُخرج الراحل مارون بغدادي قلوب لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية.
وفي مقابلة مع “سول العربية”، كشف صُنّاع الفيلم – المُخرج نيكولا خوري، والفنانة ثريا بغدادي، والمُنتجة جنا وهبي – كواليس إنجاز هذا العمل الاستثنائي، ورحلتهم الشاقة على مدار أربع سنوات في استكشاف العالم الثري للزوجين ثريا ومارون بغدادي.
المخرج نيكولا خوري: رحلة أربع سنوات شاقة و 150 ساعة تصوير لـ “ثريا حبي”
عَبّر المُخرج نيكولا خوري عن سعادته بحصول فيلمه “ثريا حبي” على جائزة أفضل فيلم وثائقي، قائلاً: “سعادتي لا توصف بحصول الفيلم على هذه الجائزة من مهرجان القاهرة السينمائي، وهي تُعدّ تتويجًا لجهود فريق العمل وأيضاً ثريا بغدادي بعد رحلة استمرت أربع سنوات.”
وتطرّق نيكولا إلى بداية رحلته الطويلة لتحضير الفيلم وأسباب تقديمه عملًا وثائقيًا حول حياة ثريا ومارون بغدادي، موضحًا: “بدأت الفكرة عام 2021، عندما التقيت بثريا في بيروت خلال عرض فيلم لمارون، كانت لدي رغبة في التعرّف إليها واكتشاف عالمها مع زوجها المُخرج الراحل، وبالفعل بدأتُ التواصل معها، وتحدثنا كثيرًا دون تخطيط لأي مشروع، ثم شعرتُ أن هذه الأحاديث تقودنا في رحلة داخلية تحوّلت لاحقًا إلى صناعة هذا الفيلم.”
وكشف المُخرج اللبناني أن حديثه مع ثريا بغدادي عبر الفيديو وصل إلى 150 ساعة تصوير، قائلاً: “كان لقاؤنا الدائم عبر فيديو (زووم)، أنا في بيروت وهي في باريس، كنا نتحدث بشكل متواصل أكثر من أربع مرات شهريًا، وأحيانًا تمر فترة من دون تواصل، وعندما نتحدث نكتشف أشياء وذكريات جديدة، إلى أن وصل مجموع حديثنا إلى هذا العدد الكبير من ساعات التصوير، فقمنا باختيار الأنسب منها للفيلم”.
من خلال أحداث الفيلم، نلاحظ صعوبة شخصية ثريا بغدادي وتمسّكها برأيها، التي قد تبدو حادة وصارمة، وعن ذلك علّق نيكولا خوري: “قبل حديثنا لم أكن أعرف ثريا بغدادي جيدًا، وفي هذا الفيلم توغلتُ في حياتها الشخصية، وهو أمر ليس بالسهل، إذ كان عليّ أن أكسب ثقتها أولًا لأتعرّف إليها بشكل أعمق، وهذا ما حدث، بُنيت الثقة بيننا على مراحل، ولم أفرض عليها شيئًا، فكّرنا معًا في القصص وتناقشنا فيها، وقدمنا الفيلم بطريقة عفوية.”
أما عن أصعب مراحل الفيلم، فقال: “أصعب مرحلة كانت جمع كل الأرشيف الخاص بثريا ومارون، إلى جانب محادثاتنا والتصوير، ثم الاختيار من بين كل هذه الساعات المراحل الأكثر أهمية بالنسبة لها.”
ثريا بغدادي لـ “سول العربية”: هكذا اكتشفت نفسي بعد “ثريا حبي”
تحدثت ثريا بغدادي لـ “سول العربية” عن رحلتها مع المُخرج نيكولا خوري في هذا الفيلم، وعن كيفية اقتناعها بفكرة كشف العديد من أسرار علاقتها بزوجها مارون بغدادي في فيلم يُعرض للجمهور، وعن ذلك قالت: “اقتنعت بفكرته والحديث معه عن رحلتي مع مارون منذ أول مكالمة بيننا، من دون أن أفصح له عن ذلك، فهو كان واضحًا معي منذ البداية أننا سنتحدث، لكنه لم يكن يعرف إلى أين سيقودنا هذا الحديث.”
وأضافت ثريا : “لمستُ فضوله وشغفه في اكتشاف علاقة الحب بين الممثلة والمخرج، ورغبته في دراسة هذه العلاقة والكشف عن خباياها بعد كل هذه السنوات، شعرتُ أنه بعد 12 عاماً زواج من مارون ومرور 30 عامًا على رحيله، ما زلتُ أكتشف أشياء جديدة، وأعتقد أن بُعد العلاقة يخلق المزيد من القصص، وجعلني هذا أتعرف إلى نفسي أكثر في النهاية.”
وعن استمرار العمل على الفيلم لما يقرب من أربع سنوات، وتصوير 150 ساعة مع المخرج نيكولا خوري، وما إذا كان طول مدة التصوير قد سبب لها الملل أو الضيق، أشارت ثريا بغدادي: “لا، لم أشعر بالملل إطلاقًا، فهو يفاجئني طوال الوقت، وما أعجبني في نيكولا أنه لم يضغط عليّ في أي شيء، لا في الوقت ولا في الحديث عن قصة بعينها، فهو دارس جيد للموضوعات التي يرغب في تناولها، وكان السرد بيننا دائمًا عفويًا وتلقائيًا.”
أما عن التغيير الذي طرأ على حياتها بعد الانتهاء من الفيلم وعرضه، فقالت: “الفيلم لن يغيّر حياتنا، لكنه يغيّر نظرتنا إلى الحياة، وبالفعل تخطّيتُ عددًا من الأمور بعد الحديث عنها، كانت هناك أشياء تزعجني، لكن الآن لم يعد ذلك يحدث.”
واختتمت ثريا بغدادي حديثها بالإشارة إلى بعض الأمور التي رفضت التطرّق إليها تمامًا، قائلة: “هناك أمور لم أرغب في الحديث عنها، مثل موت مارون بغدادي، لكن حين بدأنا الحديث نسيتُ ذلك، ونسيت أننا نسجّل، وتحدثت بشكل عادي، أنا شخص متناقض؛ قد أتَبَنّى وجهة نظر، ثم أغيّرها في اليوم التالي.”
جنا وهبي: الإنتاج لـ “ثريا حبي” تضمن مجازفة كبيرة وتحديات إبداعية
وفي سياق حديثها عن تجربتها الإنتاجية لفيلم “ثريا حبي” على مدار أربع سنوات كاملة، أكدت المُنتجة جنا وهبي لـ سول العربية: “ضمت العملية الإنتاجية الكثير من الأشخاص لكل منهم إيقاعه واستيعابه الخاص، وجميع مراحل الإنتاج تتطلب الوقت، والمخرج يأخذ وقته في الاطلاع على المادة المصورة ليضيف ويستكمل ويفكر بطريقة مختلفة، وخلال هذه السنوات مررنا بالكثير من الظروف الصعبة، بما في ذلك أيام ثقيلة أثرت بالتأكيد على إيقاع الفيلم في العملية الإنتاجية.”
وكشفت جنا وهبي عن أكثر الأمور مجازفة في هذا العمل، خاصة أنه فيلم تسجيلي مر بالعديد من التحديات قبل أن يرى النور، قائلة: “لا يوجد عمل سينمائي يخلو من المجازفة، فثريا بغدادي جازفت وكذلك المخرج، وأنا مؤمنة أن هناك أُسسًا صلبة مثل الموهبة والوضوح والفكر، وبنيت ثقتي على كل ذلك، وتضافرت الجهود جميعها ليخرج الفيلم بهذا الشكل.”
وعن أصعب المراحل التي مر بها إنتاج الفيلم، قالت جنا: “كانت هناك العديد من التحديات، وأصعبها الجانب الإبداعي، خاصة العمل مع ثريا التي تعتبر شخصية حساسة، وبناء علاقة ثقة واحترام معها، فهي شريكة فعلية في الفيلم، ثم أنه كان لكل مرحلة تحدياتها الخاصة من التصوير والمونتاج والتطوير، وأصعبها كانت مرحلة البحث عن الأرشيف، بما في ذلك أصحاب الحقوق وحقوق الموسيقى، وكل ذلك استغرق منا وقتًا طويلًا .”
