أسلوب مميز في التصميم، شخصية طموحة ومتمردة، ولا يعرف كلمة مستحيل.. كلها مفردات لقصة نجاح مُلهمة بدأها المصمم المعماري هاني سعد من الصفر تماماً، وبعد سنوات من العمل الشاق، استطاع أن يؤسس شركته الخاصة Hany Saad innovations للتصميمات الداخلية والديكورات، التي تمتلك شهرة واسعة في هذا المجال، بينما أصبح واحداً من أهم الممثلين لمهنة التصميم في الشرق الأوسط.. بدأ هاني عمله في التصميم المعماري منذ عام 2003، وشارك في عدد من المشاريع الهامة، وفي مقابلته مع سول العربية للأعمال، حدثنا عن بداية شغفة بهذا المجال، وكيف انطلقت موهبتة لتكون دافعاً للإنجاز وتحقيق الطموح دون أن يعرف في مسيرته كللاً أو مللاً.
التطلع إلى الجمال مع كل بناء جديد، كانت هذه بداية شغف المُصمم هاني سعد بالعمارة، حيث أذهلته فكرة تحول حفرة صغيرة في الأرض إلى هيكل خرساني ثم إلى مبنى رائع الشكل، حيث يقول:” بدأ حبي للعمارة منذ الصغر، فكلما مررت على مبنى تحت الإنشاء، كانت تجذبني كطفل فكرة تحوله وتطوره من حفرة في الأرض إلى كيان جميل في النهاية”.
كعادة كل الناجحين، تمرد هاني على كل ما هو تقليدي، فهو لا يعترف بالصور النمطية التي ترى أن الإبن يجب أن يكون امتداداً لمهنة والده أو صَنعة عائلته المتوارثة،” المجتمع عادة يضع الأشخاص في قوالب معينة بحجة أن من يكسر التقاليد ويخرج عن الإطار هو شخص لا يقدر النعمة، وهو الأمر الذي رفضته تماماً، لأن النجاح ليس له سقف والأحلام ليس لها حدود، لذا لا يجب أن نقلد قصص كفاح الآخرين، فبعد تخرجي من كلية الهندسة رفضت الطرق التقليدية مثل العمل في مكتب لعدة سنوات أو حتى دراسة الماچستير والدكتوراه، وقررت أن أبدأ بداية مختلفة ترضي طموحي”…قرر هاني أن يستند في مسيرته إلى مرجعية غير قابلة للجدال، فهو على يقين بأن الأصل في النجاح هو التعب والالتزام ولكن الأهم هو الثقة بالله والنوايا السليمة، لأنها سر نجاح الإنسان بغض النظر عن العوائق والابتلاءات التي يمكن أن يتعرض لها.
” الشخص الناجح هو الذي لديه ثقة تامة بأنه سيصل إلى هدفه، ولا يبحث عن مبررات لإخفاقاته مثل الظروف أو الحظ، فالنجاح له ضريبة وكلما وصلت إلى مستوى أعلى كلما زادت الصعوبات والتحديات، يشبه الأمر الألعاب الإلكترونية التي يكون في كل مرحلة منها اختبار أصعب لابد أن تؤهل نفسك له وإذا أخفقت فيه تُعيده مرة ثانيه، هكذا هي الدنيا والحياة العملية أيضاَ”.. كان لدى هاني الإرادة والشغف والإيمان الكافي لتخطي كل هذه المراحل، فهو أول معمارى في عائلته، وكانت عينه منذ البداية على تأسيس عمل خاص به.
لم تكن مسيرة هاني مفروشة بالورود، فهي رحلة كفاح صعبة بدأها منذ 20 عاماً، يقول :” البداية كانت شاقة جداً، لم تكن هناك أدوات تسهل العمل في هذا المجال مثل السوشيال ميديا والمواقع الألكترونية، الآن يمكن في ثوان فقط البحث عن أي شيء تريده على جوجل أو التسويق لشركتك من خلال إعلان ممول يراه الملايين في ثوانِ قليلة”… بموارد متواضعة وأفكار بسيطة وكثير من الجهد، اتبع هاني في بدايته طريقة تسويق غريبة :” قمت بعمل تصميم لمنشور يوضح أنني مهندس ديكور، وطبعت كروت شخصية عليها رقم الهاتف المنزلي حيث لم يكن لدي مكتب، وكنت أوزعها بنفسي يومياً على حراس العقارات التي مازالت تحت الإنشاء، وأطلب منهم إعطائها للملاك مقابل عمولة لأصمم منازلهم او مكاتبهم”.
لم يتلق هاني أي استجابة لجهودة الحثيثة، ولكنه كان أشد إصراراً على إثبات كفاءته إلى الحد الذي وافق فيه على تصميم مبنى دون أي مقابل مادي، كانت هذه الفرصة طوق نجاة لإظهار موهبته الفريدة وتحقيق شغفة، :” طلب مني أحد الأصدقاء تصميم ڤيلا لشقيقه، ولم يكن لي أعمال سابقة أستند إليها، لذا اتفقنا على تنفيذ التصميم دون مقابل، فقد كان المهم أن يكون لدي مرجعية واحدة فقط على الأقل، خاصة أنني أردت أن أثبت لعائلتي أن اختياري هو الطريق الصحيح، حيث أرادوا أن ألتحق بالعمل بإحدى الشركات مثل أي مهندس ديكور حديث”، يضيف هاني:” كنت أسمي نفسي بالمهندس الدليفري، حيث تحولت سيارتي إلى مخزن يمتليء بالكراتين التي تحوي عينات من خامات ومستلزمات الديكور، ثم بعد ذلك بدأت في تأسيس مكتب صغير على عدة مراحل”.
بنى هاني خبرته بالتجربة العملية، فالوقوع في الأخطاء علمه كيف يتلافى غيرها في المستقبل، ويؤكد أن حجم المنافسة في مجال تصميم الديكور كبير جداً، ولكن تظهر الكفاءة والمهارة في التنفيذ والمنتج النهائي، وعندما سألناه عن المهندس المعماري المفضل لديه، أجاب بأنه المهندس حسن فتحي صاحب كتاب “عمارة الفقراء” الذي غيّر مفاهيم العمارة البيئية، حيث يقول هاني:” أشعر دائماً بأن المعماري له دور في حل المشاكل الاجتماعية، وأنه يجب أن يأخد بعين الاعتبار البيئة والمكان الذي يعيش فيه الناس خلال عملية التصميم، وهذا ما فعله المهندس حسن فتحي، حيث أسهم بشكل كبير في تغيير الثقافة المعمارية في مصر”.
ما تراه هو ما ستحصل عليه، يتمتع هاني بالقدرة على تنفيذ تصميماته بنفس الجمال والجودة التي تظهر بها في الصور، ولا يعتمد على إبهار العملاء بتصميمات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، ويقول:” أنا لدي الخبرة الكافية لعمل تصميمات وتحويلها إلى حقيقة، فالأمر يعتمد على أشياء كثيرة تخرج عن إطار الإبداع فقط مثل الموافقات والتصاريح ومراعاة الطراز المعماري للمنطقة والعمل ضمن حدود الخامات والأيدي العاملة المتاحة”، يفكر هاني سعد في عوامل عديدة عندما يبدأ في تصميم جديد، حيث يهتم باحتياجات العميل ويحترم ذوقه :” أكثر ما يهمني في أي تصميم هو الراحة وأن يحقق الفراغ الهدف منه، وليس مجرد تصميم جذاب لا يمكن استخدامه في الحياة اليومية، لأن الوظيفة أهم بكثير من عمل تصميم رائع ولكنه لا يحقق الغرض منه، وهنا تظهر مهارة مهندس الديكور”.
يعمل هاني من خلال شركته الخاصة للتصميمات الداخلية والديكورات، مع أكثر من 20 مطور عقاري في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة، حيث يقوم بعمل تصميمات لعدد من المشروعات منها المنتجعات السياحية والسكنية والمولات التجارية، ولأن مجال التصميم يرتبط بالإبداع ويختلف كثيراً عن مجال الأعمال، استطاع هاني أن يكتسب مهارات عديدة أثقلت من خبرته، حيث يقول:” أعتز جداً بأنني مهندس معماري واحب هذا اللقب، ولكنني بالتأكيد اكتسبت مهارات إدارية وتجارية تلقائياً مع الوقت، فالمصمم الناجح لا يعتمد على قدرته على تنفيذ تصميم جيد فقط، ولكنها معادلة لها مكونات كثيرة، فلابد أن يكون لديه خبرة في الحسابات والعقود والقانون وقدرة على التنفيذ مع المقاولين، وإدارة الموظفين، وكل هذه الأشياء تؤهلك في النهاية لإدارة الكيان وهو شركتك”.
شهد مجال التصميم الداخلي طفرة خلال السنوات القليلة الماضية، سواء في صناعة الخامات أو تعدد الاختيارات أمام المستخدمين، حيث يؤكد: ” في السابق كنا متقيدين بأنواع قليلة جدا من الخامات، أما الآن اصبح من السهل البحث عبر الإنترنت عنها وإيجاد آلاف البدائل لها أو استيرادها من أي مكان بالعالم في وقت قصير، بالإضافة إلى أن تقنيات التنفيذ اختلفت بشكل كبير، وكل هذه الأشياء جعلت مصمم الديكور أكثر قدرة على الإبداع ووسعت أفقه”.. رغم هذا التطور، لكن هاني يؤكد أن العمل في مجال الديكور أصبح سهلاً وصعباً في نفس الوقت،:” ربما ساعدت التكنولوجيا على تسهيل مهمتنا ولكن الـمنافسة أصبحت أعلى، لأنه ليست كل الأفكار قابلة للتنفيذ، والتحدي بالنسبة لأي مهندس هو تطبيق تصميمه بالخامات والأيدي العاملة المتاحة لديه، فبعض الخامات لا يمكن استيرادها، وإذا أصبحت متوفرة ربما لن تجد العمالة المدربة القادرة على تركيبها، وهنا تأتي مهارة المهندس في عمل تصميم متطور ويحقق الأغراض المطلوبة منه واحتياجات العميل وبالميزانية المتفق عليها”.
رغم النشاط الكبير في قطاع البناء والإنشاءات، إلا أن رؤية هاني للمستقبل تخالف كل التوقعات، حيث يؤكد :” أرى أنه في سيتم اعادة التفكير في الاحتياج إلى مُصمم الديكور في المستقبل، فبما أننا في عصر الديچيتال، ستتطور صناعة التصميم في وقت من الأوقات لتصبح product on the shelf أي أن التصميمات ستكون جاهزة ومتاحة في شكل مكتبة أو أرشيف يتم طرحها عن طريق موقع إلكتروني، بحيث يستطيع المستخدم أن يختار التصميم المناسب له مباشرة، بينما سيلجأ لمصمم الديكور في حالة احتياجه لتصميم مًخصص حسب الطلب”.. يمر السوق حالياً بأزمة تتعلق بتوفر الخامات واستيرادها، يضيف هاني:” الأزمة عالمية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتراجع خدمات الصناعة والشحن أثر علي القدرة الإنتاجية للموردين، الذين أصبحت أولوياتهم الحالية تغطية أسواقهم المحلية فقط، لذا فالخامات المستوردة أصبحت أقل وتكلفتها أعلى، وهو ما يؤثر على تنفيذ المشروعات وتكلفتها النهائية”.
مسيرة هاني سعد هي قصة نجاح لشخص طموح لا يعرف الهزيمة، كما أنها بارقة أمل للكثير من الشباب الذين يبدأون خطواتهم الأولى في الحياة العملية، ينصحهم هاني قائلاً:” لا نمتلك كبشر قوى خارقة، ولكن لابد أن يؤمن كل إنسان بقدرته على النجاح، وأن يكون لديه اليقين والإصرار الكافي، والابتعاد مبررات الفشل والتطلع دائماً إلى الأشخاص الناجحين “.. يرى هاني أن اهم سمات الشخصية الناجحة هو القدرة على الاستمرار وعدم الغرور والاطلاع على كل ما هو جديد في مجاله، ويضيف:” دائماً أنظر لنفسي علي أني مُقصر أو مازال هناك شيئاً ناقصاً احتاج إلى إضافته، لذا أسعى للأفضل وأطور مهارتي في هذا المجال باستمرار، خاصة أن الغرور قد يؤدى لتوقفك عند نقطة معينة لن تتطور بعدها ابداً”.