إرث أمير الكويت الراحل

ثلاثة أعوام قضاها الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في حكم الكويت قبل أن يرحل عن عالمنا في ديسمبر عام 2023 عن عمر يناهز 86 عاما، حملت مسيرته الحافلة خلالهم العديد من الإنجازات التي رفعت شأن بلاده ..كان الشيخ نواف، طيب الله ثراه، شخصيةً استثنائيةً في تاريخ الكويت، فقد شهد مسيرة وطنٍ يترنحُ ويتعافى ويُحلقُ عاليًا، وحمل على عاتقه أمانةً ثقيلةً تمثلت في خدمة وطنه وشعبه لأكثر من ستين عامًا، امتدت بين مناصب وزارية وحُكمٍ ودورٍ رياديٍ في الحياة السياسية، والتنموية، والثقافية الكويتية.
وُلِدَ الشيخ نواف في 25 يونيو 1937 في فريج الشيوخ بالكويت، وترعرع في “قصر دسمان” كنف عائلة حاكمة عُرِفت بحِكمتها واهتمامها بمصلحة الشعب، وهو الابن السادس لحاكم الكويت العاشر. تلقى تعليمه في مدارس الكويت المختلفة، فدرس في مدارس حمادة، وشرق، والنقرة ثم في المدرسة الشرقية، وذلك إلى جانب دراسته في المدرسة المباركية، وهي أول مدرسة في تاريخ الكويت درس فيها جملة من شيوخ الأسرة الحاكمة الذين تولوا مقاليد الحكم في البلاد لاحقًا كأخويه الشيخ جابر والشيخ صباح وكذلك الشيخ سعد العبد الله والشيخ سالم العلي والشيخ جابر العلي. واصل الشيخ نواف دراسته بعدئذ في مراكز مختلفة في الكويت.
اقرأ أيضًا: ملكة الأردن رانيا العبد الله.. صوت الإنسانية والحقيقة في الدفاع عن غزة
حكمه وحنكه سياسيةِ
بدأ الشيخ نواف حياته السياسية مبكرًا، وتقلّد العديد من المناصب الوزارية التي اكتسب خلالها خبرةً واسعةً في شؤون الدولة وإدارة الأزمات. تولى منصب وزير الدفاع بتاريخ 26 يناير 1988، ولعب دورًا بارزًا في الحفاظ على وحدة الكويت في أزمة الغزو العراقي في عام 1990، وكان صوتهُ الهادئُ القويُّ رمزًا للمقاومة والصمود. تولى بعد ذلك حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 2 أبريل 1991، واستلم بعدها منصب نائب رئيس الحرس الوطني بتاريخ 16 أكتوبر 1994. لم يتوقف الشيخ نواف هنا، فتولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية في 16 أكتوبر 2003 لمكافحة الإرهاب عندما واجهت قوات الأمن الكويتية الإسلاميين المسلحين في كانون الثاني عام 2005.
تولى ولاية العهد في 20 فبراير 2006، وتعهد خلال أداء اليمين الدستورية بالحفاظ على رفعة الكويت وحماية أمنها واستقرارها. حدث ذلك بعد أن عقد مجلس الأمة الكويتي جلسة خاصة عرض فيها مجلس الوزراء الأمر الأميري بتزكيته لولاية العهد، وحصل على المنصب بإجماع أصوات الأعضاء الذين بايعوه وليًا للعهد.
اعتلى الشيخ نواف سُدّةَ الحكمِ أميرًا للكويت في عام 2020 بعد رحيل أخيه الشيخ صباح الأحمد. حملَ الأمانةَ وهوَ في سن متقدمة، ولكن حكمتهُ وحنكتهُ السياسيةِ أظهرتا للجميع استعداده لاستلام الراية. ركز الشيخ نواف على تعزيز الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية للكويت، وعمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وحَظِيَ باحترامٍ وتقديرٍ واسعين من مختلف الأطياف الكويتية.

رؤية تنموية
لم يقتصر دور الشيخ نواف على الجانب السياسي، فكان يمتلك رؤية تنموية واضحة. أبدى اهتمامًا واضحًا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأطلق عددًا من المشاريع التنموية الكبرى مثل مدينة الحرير، وهو مشروع مقترح لإنشاء منطقة حضرية بمساحة 250 كم² في مدينة الصبية بشمال الكويت، والتي كان من المفترض أن تضم برج مبارك الكبير، وميناء بوبيان، وجسر جابر البحري ومشروع الجزر الخمس، وقناة سلمان الفارسي، بهدف تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل للشباب الكويتي.
أولى الشيخ نواف اهتمامًا كبيرًا بالتعليم، فعمل على مراجعة مسيرة الكويت التعليمية وتجنّب سلبياتها لبناء استراتيجية تعليمية واضحة ذات برامج تنفيذية محددة مستفيدة من تجارب العالم المتقدم وخبراته، ومتوافقة مع الاحتياجات الوطنية لإعداد جيل محب لوطنه، ومؤمن بعمله، ومتمسك بثوابت وقيم دينه الإسلامي الذي يدعو إلى نشر روح المحبة، والتآلف، وقبول الآراء، ونبذ التعصب، وتعظيم العلم بشتى صوره واعتباره أداة لتقدم الأمم والشعوب والحضارة الإنسانية.
اهتم الشيخ نواف أيضًا بالصحة، فأسس عددًا من المراكز البحثية والمستشفيات المتطورة، حيث استكمل إنشاء وتجهيز مركز التطعيم بجسر جابر وبدأ العمل في وحدة أطفال الأنابيب في مستشفى الأحمدي الذي شهد أول عملية لولادة طفل أنابيب في مايو من عام 2021.
اقرأ أيضًا: خلال فعاليات قمة “وايز”، الشيخة موزا بنت ناصر تُبرز أهمية الذكاء الإصطناعي في تعليم أطفال غزة
تعزيز مكانة الكويت
عُرف عن أمير الكويت الراحل حرصه على توزيع ثروة البلاد بطريقة عادلة وضمان توفير مستوى معيشي كريم لجميع المواطنين، بالإضافة إلى سعيه لتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة وتطوير منتجاتها وخدماتها وخلق فرص استثمارية تنافسية، فجاءت الكويت في المرتبة الأولى عربيًا والثالثة عالمياً في قيمة أصول الصندوق السيادي التي ارتفعت إلى 738 مليار دولار بعد أن كانت 270 مليارًا في عام 2011، ليسجل بذلك رقمًا قياسيًا وغير مسبوق بزيادة ثلاثة أضعاف قيمته في 10 سنوات فقط.
تواصلت جهود القطاعات الكويتية المختلفة بتوجيهات من الشيخ نواف لتنفيذ العديد من المشروعات التنموية العملاقة، وكان أبرزها المشروعات النفطية مثل التشغيل الكامل لمشروع الوقود البيئي الذي يعزز مكانة الكويت العالمية في مجال صناعة تكرير النفط وإنتاج المشتقات النفطية عالية الجودة والأكثر أمانًا للبيئة. أسس أيضًا مشروع مصفاة الزور التي تعتبر أكبر مصفاة في الكويت بطاقة تكرير تبلغ 615 ألف برميل يوميًا، وهو من أكبر المشاريع العالمية لتكرير النفط، بالإضافة إلى مشروع مرافق استيراد الغاز الطبيعي المسال الذي يحتوي على رصيفين معدين لاستقبال أكبر ناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم.
تحولت الكويت في عهد الشيخ نواف إلى ملتقى ثقافي، وازدهرت الفنون والآداب على يديه، حيث دعم المهرجانات الثقافية، ورعى المبدعين والمثقفين، وأسهم في إحياء التراث الكويتي الأصيل، وكان هو نفسه محبًا للشعر، وداعمًا للمجالس الأدبية، لذا فقد ترك رحيله فراغًا كبيرًا في المشهد الثقافي الكويتي والعربي.

من إنجازات أمير الكويت الراحل:
-المساهمة في بناء ودعم التكامل الأمني في دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.
-العمل على ترغيب الشباب الكويتي بالانخراط في سِلك الشرطة والعمل الإداري بوزارة الداخلية بهدف تطوير العمل.
-العمل بسياسة الإحلال بوزارة الداخلية، حيث أفسح المجال للخبرات الشابة من الكويتيين لإحلالهم محل كبار السن، وذلك لتجديد السلك الوزاري والاستفادة من طاقات الشباب.
-إنشاء إدارة شؤون المختارين، وإدارة شؤون الانتخابات.
رحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في 16 ديسمبر 2023، وترك إرثًا خالدًا من الإنجازات التي ستظلُّ شاهدةً على تفانيه لخدمة وطنه وشعبه. كان قائدًا حكيمًا، ومصلحًا عادلًا، ورجلًا ذا رؤيةٍ ثاقبةٍ وعقلٍ واعٍ. عاش عمرًا حافلًا بالعطاء، وجعل من الكويت نموذجًا للدولة المستقرة والمتقدمة، وستبقى سيرتهُ نبراسًا يضيءُ مسيرة الأجيال القادمة.